يشقيك ياليلاي ما يشقيني
منفاي دونك.. والصّبابة دوني
بتنا وقد غرّبت مذبوح الخطى
مسكينة تصبو إلى مسكين
مترقبين بشارة النخل الذي
أضحى سقيم السّعف والعرجون
نخفي إذا اصطخب الضحى آهاتنا
فتنزّ جمراً في ظلام سكون
جف الضياء بمقلتي واستوحشت
أهدابها ـ في الغربتين ـ جفوني
من أين أبتدىء الطريق إذا الضحى
داجٍ وقد سمل الهجير عيوني
ما للضفاف تزمّ دوني جفنها
والريح تأبى أن تريح سفيني
طوت الكهولة والتغرّب خيمتي
ومشت خيول الدهر فوق جبيني
مرّت عجافاً لا تزين صباحها
شمس تضاحك مقلتيّ سنيني
تخشى مؤانستي طيوف أحبّتي
وتغلّ آهاتي صداح لحوني
شيّعت صحني حين شيّع حقلكم
قحط فما عرف الوجاق طحيني
ورغبت عن شمسي لأن نهاركم
مدمىً فما عاد السّنا يغريني
ليلاي ما شرف القطاف إذا استحى
من طين جذر وانكسار غصون
لو كان لي أمر المطاع على المنى
أو كانت الأحلام طوع يقيني:
أبدلت بالأضلاع سعف نُخيلة
وبعشب أحداقي حثالة طين
وبرنة القيثار نوح يمامة
وحصير أحبابي بكأس لجين
ما كنت مجنون الشراع.. ولا الهوى
ـ لمّا عبرت السور ـ بالمجنون
أغوى الحداء ربابتي فاستنفرت
أوتارها.. حسب الحداء خديني
*********
أنا ذلك البدوّي.. تحت عباءتي
بستان أشواق ونهر حنين
أنا ذلك البدوّي.. عرضي أمّة
ومكارم الأخلاق وشمُ جبيني
غنيت والنيران تعصف في دمي
عصف اليقين بداجيات ظنون
لكنها الأيام ـ إلا فسحة
منها ـ بحقل كالجنان أمين
ألِفتْ بها روحي الحبور وصاهرت
بيني وبين الدفء والنسرين
ليلاي لو تدرين حالي بعدها
يكفيك أني أشتهي تكفيني
زعم الخيال أن المسرّة من يدي
كقلائد الياقوت من «قارون»
وَيْحي متى مدّ السرابُ ضروعه
لمباسم الرّيحان والزيتون
أنا نبت حقل «الضاد» ما لغة الهوى
إن كان عشق «الضاد» لا يغويني
*********
لم تبقِ لي «الخمسون» غير هنيهة
أتكون ياليلاي دون أنين
إن كان يكفي العاشقين هنيهة
فالدّهر ـ كل الدهر ـ لا يكفيني
يحيى عباس عبود ولد بتاريخ 16/3/1949م في بيت طيني من بيوت مدينة السماوة كانت مدينة السماوة، في"حي الغربي"، يحمل شهادة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، شاعر طرق أبواب الكتابة في المجال السياسي نقدًا وتحليلاً ويكتب النثر الفني وله فيه كتاب تحت عنوان، (جرح باتساع الوطن)، وكتاب آخر معد للطبع بعنوان (مناديل من حرير الكلمات ) شارك في الانتفاضة الجماهيرية في شهر آذار من عام 1991م، وكاد أن يقبض عليه فنجح في اجتياز الهروب من العراق، ليذهب إلى المملكة العربية السعودية،
ديوان : ( قليلك 0000 لا كثيرهن ) هذا الديوان يعد الرابع عشر للسماوي حيث سبق أن أصدر ثلاثة عشر ديوانا هي : [ عيناك دنيا , وقصائد في زمن السبي , وقلبي على وطني , وجرح باتساع الوطن , ومن أغاني المشرد , والاختيار , وعيناك لي وطن ومنفى , ورباعيات , وهذه خيمتي فأين الوطن , وأطبقت أجفاني عليك , والأفق نافذتي , ونقوش على جذع نخلة , وزنابق برية ]
البداية :
طبع اسمه بلقب مدينته بمسمى ( يحيى السماوي ) الشاعر العراقي الأصيل الذي تندى حروفه سابكة المعاني رفيعة السمو شامخة الكلمات مفعمة بالحياة يكتب الشعر والمقفى الجميل يستعذب التفعيلة ليتراقص بحروفه رغم حرقة ما يختلجه من آهات وزفرات تأتي قوافيه حالمة لمجد جديد لبلاد الرافدين السامقة يختزل في سويداء قلبه عشق السنين ولحظة الحنين تصرخ كلماته وتأن لتعلن أنها صارخة موجعة لإيقاظ ما يمكن إيقاظه يحتسي كأس الشقاء لينثره عطرا جميلا فواحا بعذوبة ورقة وسلاسة تراكيب حروفه وخلاصة معانيه يستقي صورة البديعة الرائدة الجديدة من الغربة تأتيه كأنه يكتب من بلدته السماوة يغازل طينها ويشتم عبيرها ولو بعدت به المسافات فهو بشعره - كغيره من شعراء العراق – يغلب عليه طابع الحزن لذلك تجد كلماته الحارة الحارقة أحيانا خير متنفس له وخير ترجمان لما يكنه ويختاج فؤاده من مشاعر وأحاسيس فياضة ملئى بكل عواطف/جياشة صادقة يألمه ويعتصر قلبه ما آل إليه ( حبيبنا العراق ) من تمزق وتشتت ففي هذه القصيدة التي طابعها الغزل يناجي السماوي حبيبته ( لعلها رمزية ) التي يحن إليها كلما خطرت على قلبه فيدر من خديه العبرات ويتجرع كأس اللقاء وحرقة المعاني ويتلعثم بالكلمات علها عبر حروفه تصل أو تجدي وربما أحدثت هزة في النفس فتأثر وتتأثر فهو يحلم أن يصافحها بملامسة يديها عندما تتعفر بطين القرية ويبصر وجهها المشرق وهي في ريعان شبابها بدل تلثمها بالسواد ليرى عنفوان طلتها البهية الذي كاد أن يوأد بيد آثمة تنتحل الملاك وتدعو إلى الشفاء ولات حين مناص ينفع العلاج!